نبوءات العصر القادم

سنوات قليلة، هي التي تفصلنا عن عصر جديد، العلامات الصغرى حدثت بالفعل، وطبول العصر القادم بدأت تسمع من بعيد، معلنة عن قفزة تطورية قادمة، لن يعود الإنسان فيه كما إعتدنا عليه ..!!

1_Ch-pGUGxdGZeATAhe5uZNA

الفصل الأول

الفصل الأول : كيف سيبدأ الخلق

من الأحادي نبدأ ، وإلى الأحادي نعود ..

رحلة طويلة هي التي بدأها المخلوق البشري، قبل أن يستقر على شكل الخلق الثنائي، أي التكاثر الجنسي الذي يحتاج إلى زوجين من الكائن، من نوعين مختلفين، لإنجاب كائن آخر في عملية تسمى بالتكاثر.

تعوّد الإنسان، بسبب مركزية رؤيته، وإعتبار نفسه هو مركز الكون والطبيعة، إن هذا هو الشكل الطبيعي والمقبول للتكاثر، وهو دائماً يتجاهل لسبب أو لآخر، مساره التطوّري الذي بدأ فيه كخلية واحدة تنقسم على نفسها بالإنقسام الإنشطاري البسيط، قبل أن يتدرّج في السلم التطوّري حتى وصوله إلى نقطة التكاثر الثنائي.

لكن التكاثر الأحادي، أي بدون شريك، أو ما يعرف لدى العلماء بالتكاثر العذري Parthenogenesis ، لا يقتصر فقط على البكتيريا أو الفطريات أو الكائنات البدائية فقط، التي لا تتكاثر إلا بالتكاثر اللاجنسي، بل توجد أيضاً العديد من الكائنات التي تتكاثر جنسياً ، ويوجد لديها نوعين متباينين كذكر وأنثى، لكنها تستخدم أيضاَ التكاثر العذري، كبعض أنواع الحشرات مثل النمل والنحل، وأيضاً يوجد 50 نوعًا على الأقل من الفقاريات بما في ذلك 20 نوعًا من الأسماك على الأقل، و 25 نوعًا من السحالي، كما يوجد أيضاً طيور وثعابين وضفادع وأسماك قرش.

رغم كل شيء، بقى الكائن البشري في الماضي بنسخته الحالية، محصوراً على التكاثر الثنائي الجنسي، وغير قادر على التكاثر العذري إلا في مخيلته، لكن في نفس الوقت، قدّمت لنا الطبيعة بالفعل نماذج لكائنات معقدة كأسماك القرش والطيور قادرة على التكاثر العذري الأحادي، أو بمعنى آخر، القدرة على صناعة كائن مثيل لها دون الحاجة لأي شريك.

لكن في سنة 2012 ، قدّم لنا الياباني شينيا ياماناكا والبريطاني جون غوردون أول خطوة في أن ينضم الإنسان لقائمة الكائنات القادرة على التكاثر العذري أو الأحادث، حصل الياباني ياماناكا والبريطاني جون غوردون على جائزة نوبل بسبب قدرتهم على تحويل خلايا جلد إلى خلايا جذعية.. ميزة الخلايا الجذعية هو امكانية توجيهها من جديد لتصبح أي نوع يريدونه من الخلايا البشرية ، في المستقبل القريب، سينجح الإنسان في تحويل هذه الخلايا إلى حيوان منوي او بويضة ، ومن هذا الإحتمال، أصبح هناك إحتمالية لأن نستطيع في المستقبل إنتاج ” طفل آحادي UniBaby” .. طفل ناتج من تلقيح حيوان منوي وبويضة ناتجة من خلايا بشرية لشخص واحد، أي بمعنى آخر يصبح لديك طفل مخلوق من شخص واحد فقط.

 

في القريب العاجل، سيصبح للإنسان إرادة إنتاج مخلوق جديد من الكائن الإنساني من عدة خيارات مختلفة ومتعددة، وسيصبح الكائن البشري له القدرة على الإختيار بين التكاثر الثنائي، أو التكاثر الأحادي، أو غيرها من الخيارات المستقبلية، ولكن يظل السؤال هنا، ما الذي سيتغير حقاً، وما هي تداعيات هذا الإنجاز ؟!

رغم أهمية هذا الإنجاز ، فإن البعض ربما لا يتخيل الثورة التي ستحدثها هذه المقدرة داخل الأنظمة المجتمعية والمسلمات الجندرية والثقافية في المنظومة الإنسانية، حيث سيحتاج الإنسان إلى إعادة صياغة كل تفاصيل حياته بدء من القوانين وإنتهاء بالأديان والرؤى الأخلاقية المختلفة، هي مرحلة ستعيد التفكير في كل شيء، ولها تداعيات، قد تحطّم النظم القديمة أو تعيد على الأقل تشكيلها من جديد.

إن تأثير أشكال التكاثر المباشر على المنظومات المجتمعية للمخلوقات ليس مجرد تنبؤ أو تخمين، بل هو حقيقة علمية أكدتها دراسات بيولوجية قامت بدراسة سؤال لماذا تلجأ الكائنات التي تستطيع أن تتكاثر بشكل جنسي إعتيادي من ذكر وأنثى إلى التكاثر العذري، وتوصلت هذه الدراسات إلى أن اللجوء إلى هذه الطريقة يتم عبر ظروف إجتماعية فرضت نفسها على هذا الكائن نتيجة لغياب الأب مثلاً لفترات طويلة.

أما في الإنسان ، فكما يمكن أن تدفع هذه الظروف الإجتماعية لإختيار هذا الخيار، فإن حرية الإرادة لدى الإنسان ، وحقه في الإختيار، ستدفع المنظومات الإجتماعية لإعادة تموضعها، وتغير مفاهيمها أمام هذه الحقيقة التي لا مفر منها.