القطار

كان جالساً في القطار في وضع لا يحسد عليه، كانت مثانته ستنفجر، أما وصوله إلى مدينة “كاسل” فسيحتاج إلى أكثر من ساعة، ” علاش ما خشيتش الحمام في محطة “هانوفر” قبل ما نركب القطار علاش ؟” قالها لنفسه متحسراً..

ورغم أن حمامات القطار لا تبعد عنه أكثر من 10 أمتار، لكن المشكلة كانت أكثر تعقيداً، فقد أشترى من “هانوفر” تلك الكاميرا الغالية الثمن التي كان يحلم بها منذ مدة، ووضعها في حقيبته الكبيرة مفضلاً عدم طلبها أون لاين، والآن ها هو حبيس معقده لا يستطيع ترك هذه الحقيبة والذهاب إلى الحمام، خاصة وذلك الشخص الأسود يجلس مقابله، ” علاش ما حجزتش درجة أولى علاش، أكيد مش حيكون فيها الشكالات هاذي اللي عبّت ألمانيا، خيرهم وين ما نهرب نلقاهم أنا..” قالها لائماً لنفسه ومتأففاً.

” الحق عموماً على بلادنا حتى أحنا .. حدود مشروكة وحصلوا كيف يزرقوا” ، كان يحدث ذلك لنفسه وهو يحس أن الرجل الأسود يرمقه بنظرات مريبة، حاول أن يباعد نظره لكنه لم يستطع، جال في فكرة خيالات كثيرة، لابدّ أنه يخطط الآن لسرقة الحقيبة الآن ” يبي يطقّها العبيد .. واضحة” .. لكنه لم يعد يستطع الإحتمال.

بجانب الرجل الأسود جاءت فتاة ألمانية لتجلس، نظر لها مستغرباً كيف أنها إختارت هذا المكان ولم تخف، قال لنفسه أنهم يتزوجون منهم الآن، أبتسم وهو يتخيّل ردة فعل أمه وهو يقول لها أنه يريد أن يتزوج أفريقية، ” هذا بدل ما تحسّنلي النسل وتجيبلي ألمانية.. شن شكل ولادك حيطلعوا.. أكيد سمر”.. ضغطت مثانته عليه مرّة أخرى.. لم يستطع أن يواصل الإبتسام، عليه أن يتصرّف.

كانت الفتاة الألمانية تحمل هاتفها الأنيق وتتحدث بإنسجام، إتخذ قراره، وحاول إستجماع ما تعلّمه من كلمات طوال السنة الماضية ووضعها في جملة سليمة، وبألمانية ركيكة وجّه حديثه للألمانية قائلاً :

” لو سمحت، هل ممكن أن أترك لديك الشنطة للحظات حتى أدخل الحمام وأعود” ، نظرت الفتاة مستغربة بداية في طلبه، ثم أبتسمت قائلة له : ” بكل تأكيد” .. وواصلت مكالمتها.. ودون أي تأخير، أنطلق مسرعاً للحمام.

——-

عند عودته بعد دقائق قليلة، حصل أسوأ كوابيسه، لم يجد الشنطة ولم يجد الفتاة الألمانية، كان الرجل الأسود جالساً يقرأ كتاب وغير منتبه لما حصل من كارثة، سأله بكل هلع وبإنجليزية ركيكة : ” أين الشنطة .. أين الفتاة ..؟ “.. إبتسم الرجل الأسود لأول مرة قائلاً : ” أوه .. صديقتك .. لقد أخذت الشنطة وأخبرتك أن تلحق بها عندما تعود من هذا الإتجاه”.. كان القطار يوشك على التوقف .. وصلنا محطة نوردهايم .. نوردهايم .. شكراً لإستعمالكم قطارات السكة الألمانية.. نزل من القطار.. حاول البحث.. يسار يمين.. لم يعرف أين يتجه .. تحرك القطار بدونه .. كل شيء إنتهى.

——-

على الرصيف المقابل، كان الرجل الأسود والفتاة الألمانية يهرولان بكل سعادة وهم يجرّان الحقيبة الكبيرة، توقفاً للحظات بعد أن تأكدا إنهم إبتعدا بما فيه الكفاية، نظرا لبعضهم، قبّلا بعضهم بحب، ثم تابعا المسير.