التجربة

كنت محاصراً في ذلك الزقاق الضيق لا أملك سوى كلاشنكوف، كنت أعرف أنها نهايتي، أشمُّ النهايات عندما تقترب، أعرف رائحة الموت بعد أن رأيته يحصد الجميع، بعد أن قمتُ به بنفسي مضطراً منذ اللحظة الأولى، منذ عشرة سنوات وأنا أقاتل، لم أترك سلاحي من أجل القضية، “على خاطر ليبيا” ، منذ الـ 2011 وأنا لم أترك جبهة إلا وقاتلت فيها .. حرب التحرير الأولى .. حرب التحرير الثانية .. حرب التحرير الثالثة.. عملية الفجر ، عملية الشروق ، عملية النور ، عملية الحق المنتصر ، عملية النصر المؤزر، حرب الدواعش، حروب مرتزقة الصحراء، تحالفات وخيانات، أصدقاء الأمس أعداء اليوم، المتخاذلون ، المنافقون، البائعون للقضية، النادمون، والمتسلقين، لكنّي أعلم أنني لم أبع ولم أخون ولم أستسلم.. أقاتل حتى آخر لحظة من أجل ليبيا التي خذلها الجميع وخانها.

الآن أنا ميت لا محالة، كتيبة كاملة تطوّق هذا الحي اللذي أصبح مجرّد مباني متهالكة، أنا الآن في سنة 2031 ولا أرى سوى الدمار، معظم المدن الليبية تدمّرت، لم أكن أتمنى هذا، لم أكن أريد لهذا الدمار أن يحصل، كنت أريد أن أرى بلدي ليبيا بلاداً مزدهرة، لا أريد أن أموت وفي قلبي غصّة، هل يمكن أن أهزم، أن أموت، ينتصر الأوغاد، ويتحكموّن في هذا البلد، ونخسر كل شيء ناضلنا لأجله.. لا يمكن.

وبكامل مشاعري الغاضبة، خرجت بكل إندفاع من مخبئي، ولكن لم يمهلني الأوغاد لأفعل آخر شيء كنت أود فعله، رصاصة واحدة أخترقت صدغي، لأجد العالم حولي يظلم فجأة.

– – – – – – – – –

عندما أستيقضت وجدت صديقي آدم يبتسم لي، ويقول لي بكل بساطة :

ـ ها .. ما رأيك بالتجربة .. هل أستمتعت ؟؟!!

لم أفهم ، قلت له : أي تجربة ؟

قال :

ـ لا تقلق ، ما تمر به طبيعي، عودة الوعي والإستيعاب من جديد، التخلص من أعراض التجربة الإنسحابية، كلّها أشياء طبيعية، لا تنسى أن الجهاز ما زال قيد التجربة، وأنت من أوائل من تطوّعوا لتجربة هذا الجهاز، أو لنقل هذه اللعبة التفاعلية الجديدة.

قلت وقد بدأت أفهم : هل تقصد أن ..

قاطعني : بالضبط .. كل ما عشته من حروب وأحداث وتواريخ كنت تعتقد بوجودها هي مجرّد وهم، أنت فعلياً لم تقضي سوى 80 دقيقة فقط.

بمعنى آخر .. لا وجود لثورة .. ولا حرب تحرير .. ولا أوغاد ولا أزلام ولا متخاذلون ولا أصحاب حق ولا باطل.. ولا وجود لشيء إسمه ليبيا أصلاً .. كله مجرّد وهم صنعته اللعبة..

نحن ما زلنا في سنة 1951.

ثم فتح لي النافذة .. وقال لي :

ـ أنظر كيف يبدو العالم .

( تمت ) .