البوابة

قالت لي زوجتي تلك الليلة : لا تذهب، أرجوك !! ، لكنّي كنتُ مُصرّاً على الاحتفال بـ”تعليق الفيزا”، قالت لي : غداً سنذهب إلى الجنّة، ونشرب ما نشتهي من الفودكا والمارتيني والموخيتو المنعش . لكنّي أخبرتها عن الاحتفال الأخير، بشرب البوخا التي كاد أن يُوديَ بحياتنا في واقعة البوخا المسمومة سنة 2014. قلت لها مازحاً : غداً عندما نصل إلى بلاد الأوروب، ستشتاقين لها.

فور خروجي من “القراقشة” وفي وسط الظلام، لمحتُها، بوّابة أمنية تتكوّن من سيّارتين لا غير. مكتوبٌ عليهم بخط الرّقعة الرديء “قوات الردع الخاصة”. نظرتُ لغنيمتي فخبّأتُها بشكل جيّد تحت الكرسي، وتقدمّت، ووسط جوّ بارد نسبيّاً فتحت النافذة؛ لأسمح لفتىً مليشاويّ لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، ليمدّ لي رأسه :

ـ بإسمك السيارة خونا ..

رمقت له فعرفتُه: “هذا (محمد) ولد جاري زمان أيّام كنت نسكن في قرقارش، لمّا كنّا زمان نلعبوا في الكورة كان هوّا كيف جاباته أمّه، عرفته مزبوط الفرخ هذا. هذا قاعد يقرا في الثانوي الزفت” قلتُ في نفسي.

– أفتح الضي ..

قالها وبدأ يفتّش كأنه أحسَّ بارتباكي.

– شن هيا الشكارة اللي تحت الكرسي!! انزل من السيارة.

يا لسخرية الأقدار، كيف انقلبتِ الأدوار هكذا في هذا البلد، كيف تأمرني أنت يا “محمد” يا من كنتَ أضحوكة الشارع، لكي أنزل من السيارة. من أنت لتكون الآمر، وأنا المطيع. أين أبوك لأبصق على وجهه. ما هذا العبث الذي نعيشه، ما هذه الصفات التي تحملونها ؟ من خوّلك ؟.

نعم، غداً سأخرج من هذه البلد اللعينة، ولكن ما الذي سيُطفيء نار هذا الغضب اللي تحمّلته كل هذه السنوات.. هذه المذلّة .. هذه القسوة !!

وفي حركة طائشة منّي، لم أنفّذ الأمر، ضغطتُ على البنزين، وانطلقت مُحطّماً البوّابة. ألتفتُ خلفي؛ لأجدّ “محمد” وقد رفع الكلاشنكوف بكل بساطة، وأطلق النار.

في صدري تكوّنتْ بقعة حمراء .. وبعدها غبتُ عن هذا العالم.

– – –

عندما استيقظتُ في اليوم التالي، كنتُ في الجنّة، وقد أصبحتُ المسؤول عن نهر الخمر، ومن بعيد لمحتُ فتى لا يتجاوز السادسة عشر من عمره يتقدّم نحوي، كان “محمّد” كما أعرفه، قال لي بكلّ إحترام وخجل : أتسمح لي بالشراب ؟! ، نظرتُ له بإبتسامة، وقلت له: غير مسموح بالطبع، سِنّك لم يتجاوز السادسة عشرة، هذا ما تنصّ عليه القوانين هنا .. اعذرني.

تمت