الأصفاد

ظل ينظر بحرقة للأصفاد التي تغلّ يديه وهو واقف ينتظر دوره لركوب السفينة، لقد فعلها الشيطان الأبيض إذن، لقد تمكنّ منه المستعمر الحقير وأستطاع بسحره الظفر به، كان يشعر بالغبن، ولكن ما جعله ينكسر حقاً، هو مشاركته هذه الطوابير مع بقية الرعاع..

في جوف السفينة، وهي تنتطلق بهم نحو جحيمهم الأبدي، كان ملك قبيلة تاقاوا جالساً فوق العفن مقيد الأيدي والأرجل بالأصفاد، كان بالكاد يفتح عينيه، ولكن حينما يفتحهم يرى ذلك الشاب الجالس أمامه وهو يبتسم بفرح..

صاح به الملك : لماذا تبتسم أيها الحقير ..؟!

لم يتكلم الشاب في البداية، بل ظل يبتسم بتشفي، ثم أنه قال فجأة :

ـ أنا أضحك لأني أراك بهذه الحالة المأساوية أيها الملك المبجلّ، وأخيراً لقد تواضعت وجلست معنا نحن الرعاع .. نحن الحثالة .. ها أنت أصبحت حثالة مثلنا ..

أعتدل الملك في جلسته رغم أصفاده وقال :

ـ أتضحك .. أتضحك على المصير اللذي ينتظرنا جميعاً.. سنتحول عند الشيطان الأبيض إلى عبيد .. القدم القذرة وطئت أرضنا الطاهرة السوداء .. خيراتنا ستنهب .. سنجلد وتغتصب زوجاتنا ونقتل .. هل أنت مجنون .. هل هذا وقت الشماتة ..؟!

نظر الشاب إلى الملك في إستهزاء .. ثم إنه فجأة قام .. قام بأصفاده .. أقترب .. اقترب من الملك حتى لفحته أنفاسه ثم قال بغضب :

ـ أنت .. قتلت أبي .. نعم .. رأيتك وأنا طفل ولم أنس هذا المشهد ما حييت .. لقد قتلت أبي.. سحقته .. مزقت أمي ثيابها أمامك .. تعرّت .. قالت لك إغتصبني لكن لا تقتل أبي .. لكنك قتلته .. وجلست تضحك ساخراً .. وأنا .. من أكون أنا .. أنا كنت عبداً لديك .. ما الفارق .. نحن كنا عبيد وسنكون عبيد .. لكنك أنت الملك .. اللذي كنت في دور الإله .. المتعالي .. اللذي نظرت دوماً لنا كحشرات .. لكنك كنت ملكاً على مجموعة من الحشرات.. على عرش من الجهل والبدائية والوهم.. والآن سقطت .. وأخيراً .. سقطت ..

فجأة رفع أيديه المصفدة عالياً ، ليظهر شخصان أبيضان من خلفه ، أدخلا مفتاحاً في أصدافه لتسقط .. أبتسم الشاب مرة أخرى .. قبل أن يبصق في وجه الملك ويغادر القبو مع الرجلين.

نظر الملك بثبات نحو النافذة، كانت اليابسة قد بدأت تظهر في الأفق.

( تمت )