أب

“أعتقد أنني سأفعلها الآن”

 

هذه هي الجملة التي قلتها لنفسي عندما قررت فيها تفعليه، كنت قد أشتريته منذ مدة، لكنني ظللت متردداً في البداية، لكن الضغوط التي تعتريني لم تمهلني كثيراً، ذهبت مباشرة إلى قراج المنزل لأحضر الصندوق. ذهبت به للمكتب وأخرجته من العلبة، كان هذا الروبوت الصغير هو الأحدث من نوعه، ضغطت مباشرة زر التفعيل لأول مرّة، “هأ ..هأ ” عندما فاجأني صوت أشبه بالحزقة معلنا إحياء الروبوت.

 

أنيرت الشاشة أمامي، وسمعت صوتاً آلياً يقول لي :

 

” الرجاء إدخال الإسم “.

 

كتبت : م .. ح .. م .. ح .. ( محمد )

 

” الديانة ؟ ” يمكنك أيضاً إختيار عدم وجود معتقد .. ردد الصوت الآلي .

 

إخترت له : الإسلام

 

” الميول الجندرية ” ؟

 

” إناث “

 

السؤال الأخير ، سأل الصوت .. ” حدد نوع علاقتك به ؟ “

 

كتبت الحروف التالية : ب .. ا .. ب .. ا ..

 

ظهرت عينا الروبوت لأول مرة .. وناداني بصوت طفل رقيق :

 

ـ ” بابا “


* * *

 

في البداية كنت سعيد به بشكل لا يوصف، كان يأخذ تقريباً كل وقتي، إختيار موفق أنني أشتريت هذا الشيء ، قلت لنفسي، كنت أستيقظ كل صباح، لألبسه، ثم أنظفه من الفيروسات ببرامج خاص، ثم أذهب لأتنزه معه في الحديقة، ـ ينصح المبرمجين بذلك لكي يتعلّم الروبوت بالنظر والتحليل ـ نقضي بعدها معظم الوقت نلعب حتى المساء ، ثم أقوم بوضعه في ركنه الخاص للدخول في حالة النوم.

 

لكن مع مرور الأيام ، بدء الأمر يرهقني بشكل كبير، وأصبح يضغط على أعصابي بشدّة، خاصة وأنني كنت أعاني من ضغوط العمل الذي عدت إليه بعد إنقطاع طويل، كنت أعود مرهقاً لكي أجده كل يوم ينتظرني، لم نعد نذهب للتنزه كثيراً ، كما أنّ برمجته بدأت تصبح أكثر صعوبة، “الآلاف من الطرق والبرامج والإصدارات والنصائح الموجودة على الإنترنت” ، ولا أعلم ما الأصلح له. إشارات التحديث والأبديت الخاصة به بدأت تزعجني، وأسئلته المتكررة حول كل شيء في الحياة بدأت تضايقني، يومها عندما لاحظ ضيقي منه سألني : ” بابا .. لماذا جئت بي إلى هذه الحياة ؟! “.

 


* * *

 

لم تمض شهوراً طويلة قبل أن يأتي ذلك اليوم الذي لم أتوقعه، هجوم حربي من قبل قوات الأسطول الكوني على مستعمرتنا، كنا نعيش حالة توتّر بالفعل، لكني لم أتوقع أن يحدث الهجوم بهذه السرعة، كانت صفارات الإنذار تعوي لحثّنا على مغادرة منازلنا، هرعت بسرعة لأجلب الروبوت، حملته بكلتا يدي وهو يصرخ فزعاً : “بابا .. بابا .. ما الذي يجري ؟! ” ، كنت منطلقاً نحو الباب حينما تذكرت شيئاً ما ، صورة إبني “محمد” الذي مات منذ خمسة سنوات ، ذهبت بسرعة لآتي بها، لكن الصاروخ لم يمهلني كثيراً .. تناثر كل شيء .. ووجدت نفسي ملقى على جدار متهدّم ، أين الروبوت ؟! ، أين الروبوت الصغير .. دارت عيني على المكان حتى وجدته، هرعت إليه وأنا مصدوم، كان مهشّماً ، وأجزاء كثيرة منه قد فُقدت .. نظر إلىّ بعين واحدة ثم حدّثني بصوت متقطّع : ” بابا .. بابا .. إنيّ أتألم .. إني هنا أتألّم ” .. ثم أنه إنطفأ تماماً .
تمت