بلاد إسمها نورستان

مسلسل كوميدي بالعامية

كان يا مكان ، في سالف العصر والزمان ، كان هناك بلد إسمها "نورستان" ، وكانت هذه البلد ككل البلدان، لا وضعها جميل، ولا حالها تعبان، وكان يحكمها ملك، ككل الملوك هو، يظلم أحياناً وأحيانا يعدل، عطّاء بشوش، وأحياناً أخرى، مكفهر عبوس، وكان للملك إبنان توأمان، هما ما جاد بهما عليه الزمان، وكانت الحياة في "نورستان" تمضي بسلام، حتى جاء يوم مرض فيه الملك، فكان ما كان.

الحلقة الأولى

كان يا مكان ، في سالف العصر والزمان ، كان هناك بلد إسمها “نورستان” ، وكانت هذه البلد ككل البلدان، لا وضعها جميل، ولا حالها تعبان، وكان يحكمها ملك، ككل الملوك هو، يظلم أحياناً وأحيانا يعدل، عطّاء بشوش، وأحياناً أخرى، مكفهر عبوس، وكان للملك إبنان توأمان، هما ما جاد بهما عليه الزمان، وكانت الحياة في “نورستان” تمضي بسلام، حتى جاء يوم مرض فيه الملك، فكان ما كان :
 
دخل الحاجب “رأس السطل” يجري إلى الأمير “سعفان” قائلاً :
 
ـ مولاي الأمير .. مولاي الأمير ..
 
أجاب “سعفان” إبن ملك البلاد :
 
ـ خيرنا الماضونا شنو فيه ، ما يعرفش الواحد يقيّل بكل في ها البلاد الحرفة ..
ـ مولاي .. مولاي .. الملك ألمّ به مرض شديد ، وهو يطلبكم في التو واللحظة .
 
أنتفض “سعفان” لما سمعه من خبر حزين :
 
ـ هلمّ أيها الحاجب، وهيا بنا إلى هناك، إذهب وسخّن الحصان “السانتافيه”، ريثما أغيّر ملابسي بسرعة..
وهكذا وفي خضون دقائق ، كان الجميع مجتمعاً أمام فراش ملك البلاد، إبنه “سعفان” ، وإبنه “عرفان” ، وحاجبه “رأس السطل” ، وقائد الحرس “الشوشان” ، والقاضي “حبّ هان” ..
 
كان أول من تحدث هو “سعفان” :
 
ـ سلامتك يا حاج، بسيطة يا حويج راهو، ما تدوّر شيء ..
 
قال الملك للجميع وهو يئن :
 
ـ إني أموت، أرجوا أن تجدوا لي دواء ، بعد أن فشلت كل الأدوية في علاجي..
 
رد الإبن “عرفان” :
 
ـ سلامتك يا أبتي، الحقيقة أننا لابد أن نجرب أدوية وطب البلاد البعيدة، فبلادنا لا تنتج الأدوية، وأدوية البلاد المجاورة رديئة و”سكّة” ..
 
رد رئيس الحرس بحزم :
 
ـ أنت تعرف يا مولاي أن البلاد البعيدة صعب الوصول إليها، كما أنه بيننا وبينها عداوة ومجافاة، يعني من اللاخير تاكينها مع الكل..
 
رد “عرفان” بغضب :
 
ـ قلت لكم مراراً بأن نفتح مكاناً لأبحاث الدواء وتصنيعه، ونستقل بأنفسنا ونطوّر أدويتنا، وأساليب شفائنا، لكنكم لم تستمعوا لي ، وهذه هي النتيجة..
 
قاطع الأخ “سعفان” أخيه “عرفان” وهو ينظر لأباه الذي يتألم :
 
ـ ما تطلع إلا عين هذه يا حاج، ما تخافش، سأستدعي عرّاف الدولة “البحبحاني” وسيعالجك بالطلاسم والإبتهالات، وحبّة “الزقاق” ، وستكون مئة مئة ما تدوّر شيء..
 
تأفف “عرفان” وهو يستمع لكلام أخيه وردّ بلهجة شديدة :
 
ـ يا أبتي لا تستمع له، هذا البحبحاني ما هو إلا دجّال، وما يفعلونه ليس إلا دجل وخرافة.
ـ [ إخرس ] ..
 
رد عليه أخوه في حنق :
 
ـ كيف تقول على عرّافنا المبجل “البحبحاني” هذا الكلام، ألا تعرف أن الحديث عن العرافيين وسبّهم في بلادنا ممنوع، أم أن سفرك ومجيئك لبلادنا منذ فترة بسيطة أنسوك قوانين البلاد !
 
ورغم الغيظ الذي يعتري “عرفان”، لكنّه لم يرد على أخيه، بل وجّه حديثه لأبيه المريض قائلاً :
 
ـ أعذرني يا أبتي الآن وأسمح لي بالذهاب، فأنا سأذهب لأبحث لك عن علماء حقيقيين يستطيعون أن يشفوك ويخلّصونك من هذا المرض العضال.
 
وبالفعل خرج “عرفان” من القصر، بينما كان “سعفان” والحاجب “رأس السطل” يضحكان في شماته، ثم إن سعفان قال لصاحبه فوراً :
 
ـ إذهب الآن إلى العلامة البحبحاني فوراً ، وأجلبه ليعالج أبي من هذا المرض العضال.
 
* * *
 
وفي مكان آخر ، بعيداً عن القصر، حيث كان يسكن إبن الملك “عرفان” ، كان “عرفان” يتناقش بقلق وحزن مع معلّمه وأستاذه “عليم الزمان”، تحدث “عرفان” قائلاً :
 
ـ أيعقل أنه لا يوجد أي عالم من علمائنا في البلاد ، أين أختفى العلماء ؟؟
 
رد “عليم الزمان” بحزن :
 
ـ أنت تعرف أنه لا يوجد في بلادنا أي مراكز للبحوث والعلوم، وأنه لا يوجد بها تشجيع للعلماء، ولا خطط لهم ، ولا أماكن لهم، ولذلك فقد هاجر جلّهم، وذهبوا لبلدان تقدّرهم وتقدّر عملهم..
 
قال “عرفان” مندهشاً :
 
ـ أيعقل هذا ؟!، كلّهم رحلوا !!، أين مثلاً “بديع الزمان” صاحب كتاب “العلم الحديث” ، على حدّ علمي لم يترك البلاد ؟!
 
رد “عليم الزمان” :
 
ـ أوينا فاتح سكليستي في الشارع الغربي ، وكل ما تقوله علم تركبه نوبه صرع ..!
ـ والكتاب ؟؟
ـ عاطيه لمحل جنبه متاع طعمية، يمص بيه في الزيت .
 
سأل “عرفان” مرة أخرى ، والدهشة تعتريه :
 
ـ وأين ذهب “إبن عقل” ، و “راسل المدهش” ، و “نجيب الفيلسوف” ، أين هؤلاء الجهابذة ؟؟!
 
أجاب “بديع الزمان” بحزن شديد :
 
ـ للأسف ، كل هؤلاء يقبعون في سجون أبيك، بتهمة سبّ البحبحاني، وإزدراء الأسلاف ..
ـ يا لهذه الكارثة .. يا لهذا الجهل ..
 
وفي تلك الأثناء .. دخل رسول من القصر ليعلن الخبر الحزين ..
* * *
[ مات الملك ] .
كان الجميع في غرفة الملك المسجى .. أبناء الملك عرفان وسعفان، والحاجب ورئيس الحرس، ووزراء الملك والعرّاف البحبحاني، وعليم الزمان..
 
كان “عرفان” يبكي بكاء حاراً ، بينما كان أخوه “سعفان” صامتاً، وهو يجترّ الحزن، وكان الجميع يملأه الحزن والصمت وهول المصاب ..
 
قال “البحبحاني” فجأة :
 
ـ هذه مشيئة الأسلاف ، لقد فعلت كلّ ما في وسعي، حتى أنني سقيته ( ماء الطلاسم المقروء عليه ) ..!!
 
وفجأة أنتفض “عرفان” نحو العرّاف وقد أسمك بتلابيب ملابسه وصرخ فيه، والدموع تتطاير وتنهمر من عيناه :
 
ـ ماء الطلاسم أيها الجاهل ، قتلتم أبي أيها الجهلة ..
 
[ أبعدوه عني .. أرجوكم .. إبعدوه عني ] .
 
صرخ بها العراف فزعاً ، فقام الحاجب ورئيس الحرس وبعض الوزراء بفض الإشتباك، وعندها تمالك عرفان نفسه، وخرج غاضباً، هو ومن ورائه “عليم الزمان” .
 
وهو يخرج ، قال له العراف “البحبحاني” بحزم :
 
ـ مقدّر شعورك أيها الأمير ، فقط لأن فقد الأب غال !
ليلتها نام “عرفان” وهو يبكي حزناً على أبيه ، ونامت البلد كلّها حزناً على وفاة ملكها .
* * *
 
بعد ثلاثة أيام ، وبعد أن تم دفن الملك في مراسم مهيبة ، وإعلان الحداد، وفي صباح اليوم الرابع، تم إستدعاء “عرفان” على عجل إلى القصر ، وعندما قدم ومعه “عليم الزمان” ، وجد الكل هناك، أخاه والحاجب ورئيس الحرس وجمع من الوزراء ، وحتى “البحبحاني” كان موجوداً ..
 
تكلّم “عرفان” أولاً :
 
ـ هاه .. ما الأخبار ؟! ، لماذا أستدعيتموني بهذه السرعة ؟!
 
رد الأخ “سعفان” على أخيه قائلاً :
 
ـ رغم الألم المصاب ، إلاّ أننا جئنا بك لنقرر إشكالية من سيحكم البلاد، ومن سيتولّى المُلك، فالبلاد بلا ملك للآن، وقد مرّ أكثر من ثلاثة أيام ..
إندهش “عرفان” من كلام أخيه “سعفان”، وقال له بلوم وعتاب :
 
ـ وإن كان هذا الكلام ليس بوقته ولا أوانه، ولكنك تعلم يا أخي أنني قانونياً من سيكون الملك، لأنني نزلت قبلك بثلاث دقائق للحياة، والعلم يقول أنني الأخ الأكبر رغم أننا توائم، كنت أظننا متفقين في هذا الشأن فما الذي جدّ ؟!
 
صمت الجميع أمام الكلام، وظلوا ينظرون بتوجس، ولكن “سعفان” قال بسرعة :
 
ـ ولكن هذا ضد الشرع ؟!
ـ أي شرع !!
 
وهنا تكلّم “البحبحاني” لأول مرة :
 
ـ شرع الأسلاف . صمت برهة ثم أكمل :
 
ـ أنت تعلم أننا رغم صلاح الملك السابق، إلا أننا لم نكن دولة تسير على منهج وشرع الأسلاف، وقد جاءت الفرصة لنطبق شرع الأسلاف وشريعتهم، لنكسب النجاة !
 
صاح “عرفان” :
 
ـ لكن هذا ضد القانون، ضد العلم ، والمنطق يقول أنني الأخ الأكبر !
ـ وهل نتجاهل الشرع من أجل قانون ، ثم أن الشرع لا يوجد به علم أو ليس علم ، الشرع يأتي قبل أي علم ومنطق.
 
كان من الواضح أن هناك لعبة قد حيكت ضد عرفان ، وإن سعفان والبحبحاني ورئيس الحرس وحتى الحاجب ، قد شكّلوا فريقاً ضد عرفان وعليم الزمان، الذي أحس أنه غير مرغوب فيه ..
 
صرخ “عرفان” في محاولة أخيرة :
 
ـ أين قاضي القضاة، ليحكم بيننا ؟!
ـ لا يوجد بعد اليوم قاضي القضاة .
 
تكلّم رئيس الحرس لأول مرة :
ـ قاضي القضاة الآن في السجن بتهمة الخيانة العظمى ..!
 
وهكذا أستسلم عرفان وكلّ من معه لهذا الموقف، وقد جاء الحكم وفقاً لشرع الأسلاف :
 
[ للتوأم حق إقتسام ما ورثوه عن أبيهم بالتساوي ] المادة 35 من شريعة الأسلاف، وبهذا نحكم أنا العراف “البحبحاني” بتقسيم البلاد بين الأخوين ، سعفان وعرفان ..
 
وهكذا تمّ تقسيم البلاد بشخشير لحم ، قسمّ البلاد طولياً إلى بلدان ، بلد لسعفان، وبلد لعرفان ..
 
(يتبع الحلقة القادمة) .