قراءة في المجموعة القصصية للخيال العلمي للقاص الليبي عبد الحكيم الطويل.

بخلاف كتاب “من مفكرة رجل لم يولد بعد” ليوسف القويري، لم يشهد تاريخ الكتابة في ليبيا على ما أذكر أي محاولات لكتابة أدب ( الخيال العلمي ) ، وهو نقص كبير في هذا المجال مقارنة بالتجارب العربية ناهيك عن مقارنتها بإنتاج باقي لغات العالم.

ولهذا فإن إسم الكاتب “عبد الحكيم الطويل” هو إسم مهم جداً، وتجربته جديرة بالإهتمام والقراءة والتقييم، وللكاتب مجموعتان قصصيتان في مجال الخيال العلمي هما : مجموعة “مشكلة إيمانية” و مجموعته الأخيرة “بنت أبيها” التي سنتناولها في هذه المراجعة بالتفصيل.

و “بنت أبيها” هي مجموعة قصصية تحتوي على 11 قصة قصيرة تدور كلها في تصنيف الخيال العلمي، وهي مجموعة من إصدار دار فنتازيون.

تبدأ المجموعة بقصة “لغز المقبرة” وهي قصة تدهشك منذ البداية بقوة ثقافة الكاتب سواء في المجال العلمي أو في مجال الآثار والتاريخ، حيث يقوم الكاتب ببراعة شديدة بدمج هذه الخبرات ببعض بشكل يضفي على النص نكهة خاصة فريدة من نوعها، وعلى الرغم من ذلك، أحسست في “لغز المقبرة” أن القصة لم تنتهي بعد، فالأحداث كانت مبنية منذ البداية بشكل يوحي ببناء درامي سيتصاعد، لكنه للأسف يتم بتره بمفاجأة لا يمكن أن أقول عنها أنها نهاية.

أما في قصة “مشكلة حمل” ، فأعترف أن هذه القصة نجحت في مفاجأتي، وفي معظم قصص عبد الحكيم نلاحظ كيف يستطيع الكاتب تحويل الفرضية العلمية لقصة متماسكة، هذا تساؤل فكّر فيه “الطويل” كثيراً، ووضعه في قصة متناغمة وجميلة إنتهت أيضاً بمفاجأة، وهذا ما أحبه في هذا النوع من القصص.

في قصة “الحق في الحب” ، يستمر عبد الحكيم في صنع عالمه المستقبلي بحرفية شديدة، عالم فيه الآليين يشقون طريقهم نحو أخذ مكانتهم ككائنات لها حقوق ورغبة في المساواة مع البشر، وهي سمة تغلب على معظم قصص عبد الحكيم، على الرغم أنني أعتقد أن قصة “الحق في الحب” هي مقالة بلسان روبوت، فلم يتوفر فيها أي حدث لنصنفها كقصة، بل هي أقرب إلى سكيتش، فيها مرافعة ذكية بالفكرة المراد إيصالها.

أما قصة “قتل أم إنتحار” ، فهي إحدى أكثر القصص التي راقت لي في المجموعة، رغم أنني أحسست برغبتي في نهاية أشد صدمة، لكن دائماً ما يدهشك “الطويل” في قصصه بالتفاصيل الشديدة التي يفكّر فيها لصياغة عالمه الخيالي، وما هي التبعات القانونية والحياتية وحتى العاصفية لكل تفصيلة مستقبلية، نتيجة للتطور التكنولوجي والعلمي للحياة، وهو ما نلاحظه أيضاً في قصة “بنت أبيها” وهي القصة التي أعطت إسمها للمجموعة.

في “مرشد سياحي” يواصل عبد الحكيم رسمه لصورة المستقبل من خلال مناقشة فكرة أخرى وهي كيف ستكون السياحة الفضائية، أيضاً هي أحد القصص التي هي أقرب لمقال الخيال العلمي، فلم يوجد أي حدث أو ذروة تتمحور حوله القصة، بل هي أقرب لخواطر علمية على هيئة حوارية.

أيضاً يمكننا أن نلاحظ في قصة “ورطة تشكيلية” كيف يمكن أن تتحول قصة قصيرة لنقاش علمي وفلسفي مطوّل قد يهدد القصة للدخول في فخ الإطناب، لكن “ورطة تشكيلية” تتميّز بتقديم فكرة الصراع الفلسفي بين الإنسان والآلة من خلال كتابة حوارية أشبه بصراع البينغ بونغ إنتهت بنهاية هادئة بدون أي صدمات.

أما ( محطة كايبر النووية ) فهي حسب وجهة نظري من أجمل قصص المجموعة، قصة مركّزة، بدون إطناب، قوية، وذات نهاية مفاجأة، عميقة تجعلك تفكر وتندهش بالقدر الذي تخدعك فيه.

أما  قصة ( مذكرات آلي ) وقصة ( ورم الحنين ) ، فهاتين القصتين تخبرانك بمهارة عبد الحكيم الطويل الناضجة في مجال الخيال، وأنه بإمكانه بالفعل كتابة رواية خيال علمي متكاملة، حيث الشخوص والأحداث تنبئانك بإمكانية صناعة ملحمة بكامل تفاصيلها ، وهو ما أتمنى قراءته في المستقبل بكل تأكيد.

يختم عبد الحكيم مجموعته القصصية بالفكرة الأكثر شهرة في روايات الخيال العلمي وهي “السفر عبر الزمن” ، عبر قصته “عكس التيار”، ورغم أن الفكرة قد عوجلت آلاف المرات، إلا أن الطويل فاجأني بكيفية معالجة النهاية والقصة وقوة تماسكها.

بشكل عام، يبهرك عبد الحكيم بإلمامه الكبير بعلوم الفضاء والآثار والتاريخ، وبقدرته الإحترافية على صياغة قصص تتطرّق لأسئلة فلسفية كبيرة مستقبلية ، خاصة في عالم ما بعد السايبورغ، وبالمجمل فأنا أستمتعت بهذه التجربة القصصية الجميلة، وإن كنت أتمنى على عبد الحكيم التركيز أكثر في بعض قصصه على تكثيف القصة، والتركيز على الحدث وذروته، أيضاً حسن الإختيار بين تقديم فكرة الخيال العلمي كقصة أو كمقالة، أيها أفضل لها وأنسب.