الرقص فوق الحبال ..
أو النسوية الإسلامية مرة أخرى ..
منذ أيام قليلة برزت قضية النسوية الإسلامية مرة أخرى على المشهد، ويعود الفضل إلى ذلك لتطبيق “تيك توك”، وذلك عندما إنتشرت إنتشار النار في الهشيم على التطبيق فيديوهات على خلفية أغنية لفرقة تدعى “Aint Afraid لست خائفة ” وهي فرقة تتكون من أختان تؤأمتان تدعيان زكية رحمان وسكينة رحمان تحملان الجنسية الأمريكية وتروجان لأفكار النسوية الإسلامية عبر أغانيهم..
تقول كلمات أغنية فرقة “لست خائفة” : “يقولون أن المرأة لا يمكن أن يكون صوتها عالياً .. أمي أتمنى أن أكون جعلتك فخورة بي، يريدون أن يسقطونني على الأرض، هذا القهر في الإسلام غير موجود”.
والأختان التوأمتان تؤكدان الفكرة الأساسية للنسوية الإسلامية، وهي أن هذا القهر وعدم المساواة غير موجودة في الإسلام، وهو تطبيق للمنهجية النسوية لكن من داخل الدين بغرض إصلاحه وتطويره عبر نقد خطابه التقليدي الذكوري.
تتابع كلمات الأغنية بنفس الأسلوب موجهة خطابها للذكور : تريد يا فتى لعبة جميلة لتتحكم بها وتكون رئيس عليها ” .. وتقول في موضع آخر “يقولون لي ليس علي أن أكون في الصفوف الأمامية .. أنا لست دمية” ..
نعم .. ترفض أفكار الحركة النسوية الإسلامية إعتبار صوت المرأة عورة ، أو أنها خلقت كتابع للرجل ، أو كشخص يحتاج لولي أمر ” .. وهي أفكار تنتقد السيطرة الذكورية في الدين نفسه، وتعتبر أن الإسلام أتى بالمساواة في نصوصه، وأنه ليس دين ذكوري في مجمله.
وبغض النظر عن صحة هذه الإدعاءات، ورغم أن حركة النسوية الإسلامية هي حركة نتجت عن نشوء حركة النسوية نفسها، ويمكن أن نقول أنها فرع من أصل، لكنها في نفس الوقت دائمة التمرد والصدام مع هذا الأصل، ورغم أن العلاقة بين النسوية العالمية والنسوية الإسلامية مرت بفترات من التوافق، لكن الصدام حدث في النهاية، من خلال إتهام العديد من النسويات الإسلاميات ـ في أمريكا خاصة ـ بإستغلال الحركة النسوية لأصوات المسلمات والتحدث بإسمهم .. الحركة النسوية أيضاً وجهت إتهامات للحركات النسوية الإسلامية بأنهم لم يعودوا إلا أداة في يد الحركات الإسلامية للترويج للأديان الذكورية ومحاولة تجميلها ..
ولهذا أصبح العداء واضحاً بين نسويات إسلاميات كـ ليندا صرصور وباقي النسويات بعد أن كانت ليندا أحد قائدات أكبر مظاهرات النسوية الأمريكية سنة 2017 بعد وصول ترامب للحكم.
هذا العداء يمكن أيضاً أن تلاحظه في كلمات أغنية فرقة “لست خائفة” ، التي تقول : “أنا لست نسوية .. لكني مناضلة حقيقية” .. كأن النسوية ليست نضال حقيقي .. والتي أثارت بعض التعليقات المستهجنة على اليوتيوب.
لكن الحركة النسوية الإسلامية لم تقتصر تواجدها كحركة فكرية فقط، بل إمتد تأثيرها حتى على الأحزاب والمنظمات ، في ليبيا مثلاً قام “حزب العدالة والبناء – مكتب المرأة” المحسوب على حركة الإخوان المسلمين في شهر مارس 2020 بالعديد من الورش التي تخص حقوق المرأة وناقش مواضيع ” كدور المراة في بناء السلم المجتمعي، أو مناهضة العنف ضد المرأة “.. وبل وقام بالتعاون مع العديد من النسويات الليبيات للقيام بهذه الدورات الموجهة لعضوات الحزب كـ “أحلام بن طابون” و “أسماء بن خليفة”.. وهو ما يؤكد على محاولة الحركات والأحزاب الإسلامية على مواكبة المفاهيم الجديدة لقضايا المرأة ، وأن هناك محاولة لتجديد النصوص المتعلقة بالمرأة في الدين ، ولكن من أجل تعزيز مكانة الدين كما قلنا سابقاً .
ولكن هل يمكن أن تكون صوت الحركة النسوية الإسلامية بديلاً عن النسوية في بلداننا ، وإعتبارها هو الصوت النسوي الوحيد هنا .
هذه هي المخاوف التي يخشاها النشطاء ، وهو إحتكار الصوت النسوي أيضاً وتمثيله بشكل حصري من قبل جماعات الإسلام السياسي، وإقصاء الأصوات النسوية الأخرى .. هذه المخاوف جاءت السنة الماضية بعدما أنتشر مقطع للناشطة النسوية الإسلامية ” آلاء مرابط” في مؤتمر تيد تقول فيه أن الدين ليس ضد حقوق المرأة .. وإن الإسلام يشجع على أخد المرأة لحقوقها” ..
يقول المعترضون إن “آلاء مرابط” بمؤسستها صوت المرأة الليبية VLW التي تأسست 2011 بعد الثورة الليبية، أصبحت تقدم نفسها في كل المحافل خاصة في الدول الغربية والأمم المتحدة كصوت للمرأة الليبية ـ كإسم مؤسستها ـ وأنها إحتكرت هذا الصوت وكأن المرأة الليبية لا تتبع فكرياً سوى فكر النسوية الأسلامية ، وهو تغييب لتيارات فكرية أخرى، لا يراها الآخر في مجتمعاتنا ، الغريب أن مؤسسة صوت المرأة الليبية مصنفة رسمياً من بعض الجهات كمنظمة نسوية إسلامية بالفعل.. أيضاً يبرز إسم “زهراء لنقي” ومؤسستها ” منبر المرأة الليبية من أجل السلام ” .. التي كان لها مساهمات كبيرة بالتعاون مع “مؤسسة الأزهر” الدينية في تجديد الخطاب الديني لقضايا المرأة.
في النهاية يظل السؤال معلقاً ، هل الحركة النسوية الإسلامية هي خطاب مضاد لظاهرة الحداثة والعولمة بسبب ضغط خطاب تيار الحريات الذي أحرج النسخ الذكورية القديمة للأديان، أم هي مدرسة تجديدية تسعى للبحث عن مكانة متقدمة للمرأة من داخل الدين نفسه، لتؤكد أن الدين بالفعل مستمر بأشكال مختلفة ، وأنه صالح لكل زمان ومكان.
أحمد البخاري