هوية
فور إستيقاظه، قام بفتح الفيس كعادته عندما يفتح عينيه كل صباح، أخذ يقلّب الفيسبوك الخاص به لوهلة، وهو يشعر بشيء من الإستغراب، غريب، لم يمر عليه أي خبر عن ليبيا، عادة، وبسبب الصفحات والأشخاص الذين يتابعهم، تبدو الصفحة تكاد تنفجر من الإنفجارات والإقتحامات والدراما الليبية، هو الآن لا يرى سوى أخبار عادية من العالم أو بوستات أصدقائه خارج البلد، هل هناك بلاك أوت للنت في ليبيا ؟!
منذ أن هاجر من سنوات عديدة، وهو متخلّص تماماً من مشاكل النت الليبي، لكنه يريد أن يعلم ماذا حدث حقاً، ذهب لخانة البحث على الفيسبوك وكتب إسم “ليبيا”، لم يظهر شيء، جرّب كتابتها بالإنجليزية أيضاً، لم يظهر شيء، هل بالفيسبوك خلل ؟!، فتح صفحة القوقل وكتب ليبيا .. هل تقصد ليبيريا ؟!، وات ذا فاك ؟!
خطر له خاطر غريب أراد التأكد منه، كتب على محرك البحث “خارطة العالم”، ظهرت النتيجة بسرعة، نظر لتلك المساحة التي ما بين تونس ومصر، ما هذا ..؟ هل جننت ؟!، لا يوجد شيء، الحدود المصرية ملاصقة تماماً للحدود التونسية والجزائرية، لا وجود لأرض مربعة الشكل إسمها ليبيا إطلاقاً.
ظل لثواني يحدّق في الفراغ، وكأن عقله تجمّد، ماذا يحدث ؟!، ذهب ليفتح تويتر، قائمة أصدقائه على الفيسبوك، سناب شات، إنستغرام، كل مواقع التواصل تمضي بشكل طبيعي، وبوستات مستمرة من جميع أصدقائه في العالم.. تونس.. مصر.. أمريكا.. ألمانيا.. السعودية..ما عدا الليبيين فكأنهم لم يوجدوا أصلاً.
الإتصال بليبيا عن طريق الهاتف، ذهب بسرعة لهاتفه، ليبحث عن أي أرقام ليبية لأصدقاء قدامى له، كونه الإبن الوحيد لعائلته، وبسبب وفاة أمه وأبيه في ذلك الحادث، وبسبب إبتعاد بقية أقرابه عنه بسبب آراءه الدينية والسياسية، كان قرار الهجرة والسفر بالنسبة له قرار سهل جداً، أوضاع البلاد لم تعد تسمح، وبسبب تحسّن أحواله وإندماجه في المجتمع الجديد، وتعرفه على أصدقاء جدد في البلد المقيم بها، لم يعد يتواصل مع أصدقائه القدامى، ولم يكلمهم من سنوات، ظل يبحث بشكل محموم على أي إسم لشخص ليبي في هاتفه الجديد، لكنه لم يجد، اللعنة، ثم خطرت له فكرة، لماذا لا يتصل بأي رقم عشوائي ليبي، صفر صفر.. أثنين .. واحد.. ثمانية .. أخذ يضرب بقية الأرقام .. هذا الرقم غير صالح .. رقم إثنين ثلاثة .. كلها أرقام غير صالحة وكأن لا وجود لمفتاح هذا البلد أساساً.
أصبح قلبه يدق بسرعة، ماذا يعني هذا ؟!، حياته كلها وكل المشاعر والإهتمام والأخبار والأحداث التي كان يتابعها لا وجود لها، قال لنفسه : ” لا يوجد أي صناعة أو منتج مؤثر أو إختراع يمكن التأكد منه حتى أرى إن كان إسم ليبيا موجود عليه أم لا”.
“لا أعرف أي أصدقاء هنا معي في الغربة من الليبيين، كنت دائماً أحاول الإبتعاد عنهم وعن مشاكلهم، لا أملك أي علم هنا ولا بادج، ولم أقتني أي كتاب لكاتب ليبي ولا أحب سماع الأغاني الليبية، وكل كاتب أو موزع أو منتوج فني أو ثقافي بحثت عنه في الإنترنت لم أجده، أو وجدت له أصول غير ليبية منسوب لها”.
” أين يمكن التأكد ؟!” ثم قال لنفسه في دهشة كمن وجد كنزاً : “أنا .. يمكن التأكد منّي .. فقد دخلت هذه البلد منذ سنوات بأوراق ثبوتية، وبالتأكيد سأجد شيئاً في خانة الجنسية” .
هرع مسرعاً للبحث عن جواز سفره، أخذ يقلب الأوراق، وينثرها بشكل محموم حتى وجده، فتحه بلهفة ونظر بسرعة لخانة الجنسية.
ما وجده في الخانة جعله يبتسم.
(تمت).