سوبر هيرو

بالأمس، ولأول مرة في حياته يخبرني إبني ذو الثلاثة سنوات بأنه يريد أن يصبح “سوبر هيرو” .. بابا .. “نبّي سوبر هيرو” .. نظرت لزوجتي في ذهول.. ترقرقت عينا زوجتي بالدموع.. وأنا لم أتمالك نفسي.. هرعت للدولاب.. وفي كومة الملابس القديمة ظللت أبحث حتّى وجدتهم.. الكاب .. القفازات .. والماسك حول العينين..

حينما لمستهم.. رجعت الذاكرة بي إلى أكثر من ثلاثين سنة مضت، طفلاً يمسك يد أباه، فرحاً بالكوستوم اللذي يرتديه.. ذات الكاب والقفازات والماسك حول العينين، كنّا ماضيين إلى الحضانة كالمعتاد، وعند دخولنا صحت أنا بكل حماس .. “سوبر هيرووووو” .. نعم .. أنا لم ألاحظ.. كيف لطفل في الثالثة من عمره أن يلاحظ، ولكن بالتأكيد أبي لاحظ، صدمة المعلمات وإتساع أحداقهم من الدهشة.. بعد رحيل أبي أخذوني إلى دار معزولة، حاولوا نزع الكاب.. لم أفهم لماذا.. بالتأكيد أخبروني أن أنزعه حتى لا أجرح مشاعر الأطفال الآخريين.. لا أحد يلبس الكوستوم هنا ، السوبر هيرو كوستوم ممنوع.. هذا ما قالوه لأبي عندما جاء لأخذي بعد نهاية الدوام..

بعدها قال لي أبي أنه أخفى كل ما يتعلّق بالسوبر هيرو في البيت، أي أزياء، أو قفازات، أي ألعاب، كما أننا منعنا من مشاهدة أي كرتون له علاقة بالسوبر هيرو. وظللنا هكذا حتى جاء ذلك اليوم المنشود.

جاء يومها أبي فرحاً وهو يخبر أمي أننا وأخيراً سنرحل، كانت أمي تبكي من السعادة، وكهذا في غضون أيام، وجدنا نفسنا في أرض أخرى مختلفة. وهنا جاءت الصدمة، لأول مرة أعرف أننا من عائلة منحدرة من عشّاق السوبر هيروز، وفي بلادنا الجديدة، لم نكن نفوّت كوميك كون، ولأول مرة أمتلأت مكتبتنا بمجلدات الكوميكس الكبيرة، وأصبح قرآءتها طقس يومي، ولم أنسى اليوم اللذي قابلنا فيه “ستان لي” وصورنا معه، كان طقس يحدث لمرة واحدة في العمر فقط.

غداً، سأرسل أبني لأول مرة للحضانة بزي السوبر هيرو، أعرف أنهم سيبتسمون ويخبروني كم هذا لطيف، ربما غداً سينسى رغبته في أن يكون سوبر هيرو، وسيقول أنه يريد أن يصبح رجل إطفاء أو لاعب كرة قدم، لكني بالتأكيد لن أجبره أو أرغمه على شيء، ولن يشعر كما شعرت أنا، في وطني السابق، دولة “الفيلينز” المتحدة.