جو مليح
لما رنّي بوي كف يومها، وكيف بديت بنبكي، كشّخ عليا بعلو حسّه :
ـ ما تبكيش .. ما نبيش نشوفك تبكي .. هيا أضحك .
من هاديكا اللحظة، اللي كان عمري فيها خمسة سنين، معاش نتذكّر إني بكيت بعدها، كان المفرخ في كل المدارس اللي مشيتلها يضربوا فيا بأقصى قوة باش نعيّط ونبكي، لكن لا .. كنت ناكل في الخبط بوجه جامد.. لين يتعبوا ويسيبوني.
مدرسة الحساب كانت تنز عرق، وهي تضرب فيا بخيط الياتريك.. وهي تضرب فيا في الخبطة المئة بكل الغل اللي عندها، وأنا مادد يدي من غير أي تعبير.. ومن غير ما تنزل مني دمعة واحدة.
هكي كانت تعليمات بوي : نضربك وما نبيش نشوفك تبكي ، ديما يقولي : خلّي جوّك مليح، صوتك ما نسمعاش .. ما تدرهليش كبدي.. وتوا هيا أضحك.
مرة واحدة بس قريب بكيت فيها، لما المدرّس جبد مني ورقة الإمتحان، وأنا نجاوب في الشهادة الثانوية، باش يعطيها لولد تاني قريبه.. ما قدرتش نتكلّم .. وكل يوم الموقف يصير وما نقدرش نتكلم.. وفوق هذا كله، بعد ما كمّلت إمتحاناتي لقيت روحي ساقط في مادة.
بوي وهوا مروّح بيا، قاللي رد بالك تزعل أو تضايق روحك، خلّي جوّك مليح، كنت نبيّ في لحظتها نبكي لكن ما قدرتش.
نكبر ويكبر معاي كلّ شيء، الشقي والهم والأحزان، لكن ما عمري ما بكيت ولا حنبكي، أمي ماتت بخطأ طبي، ما بكيتش، ولدي مات في حادث، ما بكيتش، حتى لمّا شدّوني مرة “الكتيبة” في الشارع، ونزلوني من سيارتي وعفسوا عليا بجزماتهم ما بكيتش.
لكن بعد أربعين سنة من هاذاكا الكف، أربعين سنة، لقيت روحي واقف في جنازة بوي، وبعد ما كملنا الدفن ووقفت في الطابور، ومع أول واحد قاللي “عظم الله أجركم” ، فجأة قعدت نضحك، لا مش ضحك عادي.. ضحك ضحك.. الناس كلها مستغربة وتشبحلي خيره هذا .. لكن ما قدرتش نوقّف.. بوي مات.. لقيت روحي جوي مليح …
ونضحك ..
( تمت ) .