المرض

حدثت هذه القصة في بداية التسعينات ..

عرفت أنني حاملة للمرض منذ أن كُنت مراهقة، كوني فتاة لم يعصمني من معرفة الأمر، أنتم تعلمون أحاديث الفتيات المراهقات، وثرثرتهنّ حول هذه المواضيع، منهنّ سمعت أعراض هذا المرض، وطرق إنتقاله، وبماذا يحس المرء، ومنذ تلك اللحظة تيقنت أنني مصابة به..!

في البداية كتمت الأمر في صدري، ولم أبح به لأحد، أنتم تعلمون نظرة المجتمع، ستكون فضيحة، ثم لن يقبل أحد بالزواج بي، سأكون منبوذة لا محالة، ولكني كنت أتعذب من الكتمان، أتعذب من أفكاري وشعوري بالذنب، ثم تبدأ إذاعات الراديو والتلفاز المحلي بشكل متأخر في التحذير والتوعية منه، ولكن الأمر بالنسبة لك لم يعد ذو جدوى، فقد إنتهى الأمر، لذا وفي لحظة ضعف وألفة، وأمام صديقتي المقرّبة جداً، بحتُ بسرّي الصغير، وكانت تلك غلطتي الكبرى.

رغم وعودها لي، تسرّب الخبر، أنتقلت القصة من فتاة إلى أخرى، عبر الجلسات الخاصة، أو أسلاك الهواتف المنزلية، أصبحت في فترة وجيزة حديث الكل، وأصبح الجميع يتحاشاني أو ينظر لي نظرة إحتقار أو شفقة، بل وأصبح البعض لا يصافحني حتى، وكأن المرض سينتقل له بمجرد مصافحته لي.

لا أخفي عنكم الأمر، فكّرت كثيراً في الإنتحار، أصبحت لا أرى حياة أمامي، حياتي إنتهت ببساطة، منذ أن علم الجميع أنني مصابة بهذا المرض اللذي لا علاج له، حكم عليّ الجميع بالإعدام، فقمت بتنفيذه، وظللت سنوات من عمري معزولة بلا أي أمل.
في بداية الألفينات، سمعت عن إنتشار ما يسمى الإنترنت، كان هناك صالة بالقرب منا قد فتحت أبوابها للمواطنين، وفي فترة وجيزة أصبحت أحد روادها الدائمين، وتجدد الأمل في البحث عن علاج لمرضي خارج هذا الصندوق الضيق.

لكن ما أكتشفته لم يكن يصدّقه عقل، إكتشفت أن أغلب سكان العالم حاملون لنفس المرض، أغلب سكان العالم لديهم مرضي، لم أصدق في البداية، تشوّش عقلي، كيف هذا، لكني تأكدت، بلدان كاملة بأغلبية سكانها مصابون بمرضي، بل حتى أنه لا يعد لديهم مرض، بل حالة طبيعية، لا خجل ولا خوف منها، ولا من الإفصاح عنها، بل أنهم يفتخرون بها ! ، وفي تلك اللحظة، تخيلت نفسي أعيش بينهم حياة طبيعية، بلا خوف، ولا خجل، وبلا أي إحساس بالذنب، وفي تلك اللحظة، أحسست أني تحررت !!

تمت.