ملفات

رقم الملف ( 69 ) ، الإسم هو كمال ، قال لي الأطباء المشرفون عنه في السجن أن حالته لم تمر عليهم من قبل لذا أبتكروا لها هذا الإختصار الجديد، ( SIM ) ، وهو إختصار لجملة : Society is me ، المجتمع هو أنا ، وهي حالة وصفت بأنها من يعتقد أن المجتمع يمثل بالنسبة له مسألة شخصية تمسّه، حتى يصبح هو وكل أفراد المجتمع كينونة واحدة، وهي حالة خطيرة جداً تستدعي عزل المريض ووضعه في زنزانة خاصة به.

يوم رأيته قررت تبنّي حالته بل ومعالجتها، كان الأطباء قد غسلوا أيديهم منه وتركوه بدون أي محاولة لعلاجه، قال لي كبيرهم : ” يا نادر أنت طبيب شاب وتحاول أن تحقق مجد ما، لكن الحالة ميؤوس منها، ولا أمل منها، ثم لا تنسى أنه يحمل ميول عدائية وقد تسبب الأذى لنفسك” .

لم أستمتع لأحد ، كنت أريد إصلاحه، كان يعتريني الأمل، بدأت في متابعة حالته، كنت أشاهده عادة من وراء الباب الحديدي عندما كانت نوباته تأتي له، أحياناً يدخل في نوبات ضحك وفرح، يصرخ : الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر على ولدنا الجراح .. على ولدنا المخترع .. شرّفنا .. رفع روسنا .. الله أكبر عليك يا ليبيا .. أحياناً كان يدخل في نوبات غضب : ” علاش يا عاهرة .. علاش يا بنت الـ .. حشمتينا .. درتي العار .. هذا لبس ؟!! هذا لبس.. مش ليبية إنت .. مش ليبية ” .. لكن في الأغلب كان يبكي : ” ضعنا .. ضعنا .. ضاع العرض والأرض .. ضاعت السيادة .. يا عارنا .. يا عارنا ” ..

حاولت وحاولت وحاولت، حاولت بشتى الطرق، ولكن بدون أي نتيجة ، كانت النوبات لا تتوقف، ولهذا قررت تجربة شيء آخر، علاج مختلف، علاج “الصدمة” ، أمرت ذلك اليوم حارس السجن أن يجلب له اللابتوب الموّصل بالإنترنت، وسمحت له بالإطلاع على الأخبار.
لم ننتظر كثيراً حتى سمعنا صراخه : ” يا أوباش .. يا دعّار .. تبو تنشروا الفسوق والعهر للمجتمع الليبي المحافظ، كلام العهر.. المجتمع .. أترضى أن تقرا الكلام هذا أختك .. أمك .. يا كلاب .. لازم تنحرقوا .. لازم تموتوا ” ..

كان في حالة هياج شديدة .. حطّم اللابتوب وظلّ يحاول تحطيم حيوط الزنزانة بجسده، كان ينزف من كل مكان وكان في حالة منهارة جداً .. لم أستطع أن أراقب فقط .. أمرت حارس السجن أن يفتح لي الباب لأدخل .. نظر لي نظرة رعب .. ثم فتحها .. دخلت : ” كمال .. إسمعني يا كمال .. شن دخلك في المجتمع إنت .. ما يمثلك حد .. ما يمثلك حد .. إنت بس تمثل نفسك ” .. حاولت إحتضانه لكنه كان في حالة جنون .. لم أستوعب إلا عندما وجدت يديه ملتفتان حول عنقي .. لم أستوعب إلا عندما وجدته يضغط بشدة .. لم أستوعب إلا عندما وجدت الرؤية تختفي رويداً رويداً.. كنت أريد مساعدتك .. كنت أريد مسـ ….

* * *

رقم الملف ( 51 ) ، الإسم هو مصطفى، بالأمس قمنا بإنقاذه بصعوبة بعد أن حاول خنق نفسه، اليوم هو أفضل حالاً، وقد قمنا بإرجاعه لغرفته المجهزة في هذا المستشفى النفسي الحديث والخاص بعلاج هذه الحالات المعروفة بكثرة، يعاني مصطفى من إزدواج في الشخصية، حيث تتمثل في داخله شخصيان متخيلتان إحداهما ” كمال ” والأخرى ” نادر ” .. أحدهما يمثل كيان المجتمع، والآخر المهتم بإصلاحه، الصراع بداخلهما يمثل الشكل المتكامل لمرض أطلق عليه الأطباء إسم : ( TDON ) ، وهو إختصار لإسم :

The disease of nationalism

(تمت)