مدينة الغيلان

كان يا ما كان، كان هناك غول إسمه “حرب”، وفي مدينة الغيلان، كان حرب يستيقظ كل يوم ليذهب إلى عمله بشكل متململ، كان عمل “حرب” هو إلقاء الناس كل يوم في الفرن المشتعل ليموتوا، عمل روتيني يقوم به كل يوم، ينهض منذ الصباح الباكر متثاقلاً، ينظف أسنانه بالفرشاة، يتناول إفطاره اليومي المعتاد، يذهب إلى مكان العمل، يجلس على مكتبه، يبدأ الناس في التوافد، أغلبهم من الشباب، يجعلهم ينتظرون قليلاً حتى يبدأ الفرن في الإشتعال نتيجة الحطب، ثم يبدأ بغرفهم بمغرفته الخاصة كمجموعات، وإلقاءهم في النار.

تنتهي فترة عمله ليسلّم “الشفت” إلى آخر، يعود لمنزله ليستريح قبل أن يخرج في المساء في جلسته المعتادة مع باقي الغيلان أصدقاءه، في المساء يجد نفسه على الأريكة في منزل أحدهم، أربعة أو خمسة غيلان يحملون البيرة الغولية في أيديهم ويتسامرون حول العمل والأصدقاء.

قال “حرب” لرفيقه “إعلام” متأففاً، أرجوك ألا ترسل لي الناس بهذا الشكل، العدد زاد وقسمنا لم يعد يحتمل الأعداد الكبيرة، الأفران تعمل بأقصى قدرتها، ” إعلام” يعمل في نفس شركة “حرب”.

رد “إعلام” ببساطة، هم من يأتون إلي، أنا أحوّلهم على إدارتك فقط لا غير.
آخ .. تذمّر “حرب” من إعلام .. كأنه لا يعلم ما الذي يفعله، لكنّه لا يلومه فقط بطبيعة الحال، من أي داهية يأتي هؤلاء الأقزام ليزيدوا حياتنا إرهاقاً .

الإدارة تفكّر في ترقيتك يا “حرب” .. قالها الغول “جهل” .. ستصبح مسؤول عن المكتب الاقليمي، رد الغول “عنصرية” ، لم تعد مدير محلي.. أنت تستحق.

سحقاً .. لا أحد يعمل في هذه الشركة.. مسؤولية أكبر تعني عمل أكبر، كان الضغط على “حرب” كبيراً حقاً .. إلقاء الناس يومياً في المحرقة ليس عمل سهلاً .. ثم إنه لم يعد يتحمل كل هذا السخف.. فغادر السهرة لأول مرة غاضباً .

رغماً عن ذلك يذهب كل يوم إلى عمله، وقبل دخوله مقر العمل يشاهدها، غولة متشرّدة ذو أسمال بالية تحاول منع الناس من الدخول إلى الشركة، “لا تدخلوا .. لا تدخلوا .. لماذا تريدون الموت” .. لكن الناس لا تكترث لها ، بل العكس، يدفعونها ، يضربونها .. يبصقون عليها ، في ذات مرة أحدهم ضربها ثم مزّق ملابسها ليجعلها أضحوكة، “أغربي عن وجهي أيتها البلهاء” . مشهد روتيني يراه يومياً قبل أن يدخل “حرب” لعمله.

لكن لم يعرف أحد ماذا حدث لحرب في تلك الليلة، يقال أنه على غير العادة عمل كثيراً في ذلك اليوم، ألقى بناس كُثر في الفرن، وكانت الناس تتزاحم قبل تنتهي مواعيد الدوام، إحدى السيدات جاءته مع إبنها قبل موعد الإقفال بدقائق، لتقول له : أرجوك .. قم بحرق إبني.. أرجوك إلقي به للموت، لقد جئنا من مكان بعيد. ولم يستطع رفض طلبها.

أيضاً يقول الجميع قبل مشاهدته آخر مرّة، أنه شوهد يتحدث مع تلك الغولة المتشردة التي إسمها “سلام” ، لا أحد يدري ما الذي تحدثا فيه معاً ، لكنه شوهد وهو يعينها على النهوض بعد أن ركلها أحد البشر.

العديد لكن عزى السبب إلى ضغوط العمل، ربّما كان عليه أخذ إجازة، البعض قال ربّما كانت أسباب عاطفية، لم يُرى أبداً مع غولة يتبادلان الغزل، أما البعض الآخر فقد أعزاها إلى الوحدة التي كان يعيشها.

في ذلك المساء، وُجد الغول “حرب” معلقاً في شقّته، وقد شنق نفسه بحبل.

تمت