المولودة

بدأ الأمر يحدث في نفس اليوم الذي رزق به بالمولودة، بعد عودته من المستشفى للإطمئنان على صحة زوجته، أتكئ على الأريكة بجسده الضخم وفتح الفيسبوك كالعادة، وإذا به يجد طلب الإضافة من أكاونت يحمل إسمه نفسه، هل هذه مزحة أو هكر ؟!، أكاونت جديد تم إنشاءه اليوم فقط، وبدون حتى صورة، هناك بالتأكيد من يمزح معه، مرّر يده على لحيته الكثيفة مفكراً، ثم سرعان ما تجاهل الأمر.

لكن الأمر بدأ يأخذ منحنى جدّي وخطير بعد هذه الحادثة بإسبوع، كان من المفترض أن يكون اليوم أسبوع إبنته لكنه لم يقم بإي إحتفال خاص ـ بعد أن صرف الكثير من الأموال في أسبوع إبنه الأول ـ قال له أحد أصدقائه الجالسين معه في “المربوعة” بدون مقدمّات، وبلهجة ساخرة:

ـ شنو يا شيخ.. أمتى الصورة هاذي اللي منزلها على الفيسبوك، وين كنت مسافر، وين البحر هذا ؟ وما شاء الله شورط وقميص عليه صورة قلوب، عايش حياتك !

ـ صورة ..أي صورة ؟!

الصديق تطوّع ليريه الصورة، غير معقول، الصورة له فعلاً، لكن تم تنزيلها من ذلك الأكاونت الوهمي اللذي أصبح الآن لا يحمل أسمه فقط، بل أسمه وصورته وأيضاً أصدقاءه.. مستحيل هذا لست أنا، متى حدث هذا ؟!

منذ الشباب، كانت حياته تمضي بإستقامة وبمرضاة الله، الجلباب الإسلامي واللباس الشرعي لم يفارق جسده، اللحية، الفروض، من البيت إلى الجامع، ومن الجامع إلى البيت، هذا لست أنا ، هذه ليست صورتي، شخص يتسكّع بشورط على البحر في بلاد الغرب.
ـ هذا أكاونت وهمي .. فيك .. فوتوشوب.. أمسح أمسح..

لكنه رغم ذلك، قبل إضافة هذا الأكاونت مرغماً، وأصبح يتتبّع في كل ما ينشره، وكل يوم يصبح الوضع جنوني أكثر، صورة له وهو مستلقي على حوض السباحة ومعه فتيات بالبيكيني، صورة وهو في البار ويحمل زجاجة فودكا، فيديو له ويرقص في نايت كلوب.. بإختصار هناك شخص آخر نسخة طبق الأصل منه يعيش حياته طولاً وعرضاً ومستمتع بكل لحظة عربدة يقوم بها، ولا يخفي ذلك.

مع الوقت تحوّلت حياته لجحيم، أصبح كل أصدقاءه المتديّين يبتعدون عنه ويتحاشونه، اصبح الجميع يتكلّم خلف ظهره، ويعيب عليه، كيف لك أن تقوم بهذه الأشياء ؟!، لست أنا .. صدّقوني لست أنا .. حاول أن يقفل الأكاونت .. أن يبلّغ .. لا فائدة.. هل من الممكن أن يكون لديه توأم .. مستحيل.. نسخة طبق الأصل منه لا زالت تستمتع بحياتها وتسخر منه وهو هنا في جحيم العار يتعذّب.

لكن العذاب تحوّل إلى جنون، تطوّر آخر قام به الأكاونت المخلوق حديثاً، لقد أصبح يعبّر عن آراءه الشخصية بمنشورات ! ، آراءه حول الحريات الفردية، حول حقوق المرأة ، حول العلاقات ، والمزيد من الصور.. صور وهو في حفلة موسيقية ما ، صور وهو في مظاهرات لدعم الحريات .. صور وهو يمسك بعلم الرينبو.. صورة وهو يقبّل فتاة ما .

جنّ جنونه، كيف بدأ هذا ؟! ، كيف بدأ هذا الجنون ؟!.. آه تذكرت .. يوم جاءت هي إلى الحياة .. يوم ولادتها .. ذهب إلي غرفته بكل جنون .. وجدها نائمة في الفراش لوحدها، رضيعة ما زالت لم تقوى حتى على التحرّك، وبكلتى يديه الضخمتين.. وبكل غضب وعنف.. قام بخنقها معتصراً عنقها الصغير.. لم تقوى حتى على الصراخ.. عنقها أصبح عجينة في يديه.. وما هي إلا لحظات.. حتى جحظت عيناها.. وأنقطع نفسها.. وسلمت الصغيرة الروح.

لم يلتقط حتى أنفاسه، بسرعة أمسكت يده بالنقّال، وفتح الفيسبوك بسرعة، ليجد أن الأكاونت اللذي كان يحمل أسمه وصورته قد إختفى، وأختفت معه كل الفيديوهات والصور.

(تمت).